Tuesday 15 January 2013

'ابادة التعليم' مستمرة في العراق

11/05/2012
اعتقلت قوة عسكرية خاصة يوم 2 ايار/مايو عميد كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الدكتور محمد طاقة أثناء مغادرته الكلية متوجها إلى مسكنه عند الساعة الرابعة ظهرا، دون معرفة الأسباب.
واذا ما كانت التهمة التي ترمى على كل من يتجرأ وينتقد ممارسات حكومة المالكي هي الارهاب فان الاستاذ الجليل محمد طاقة، حاله حال بقية الاساتذة الذين تم ترويعهم او استهدافهم منذ غزو الوطن، ليس ارهابيا او قاعديا. اذ ان د. طاقة يحمل شهادة دكتوراه علوم اقتصادية من المدرسة العليا للاقتصاد- ألمانيا- 1980، وسبق له تسلم مهام رئيس قسم الاقتصاد- كلية الإدارة والاقتصاد- الجامعة المستنصرية لمرتين، ويتولى منصب عميد كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة منذ 1996 وحتى الآن. ونشر أكثر من 50 بحثاً علميا وستة كتب في المجال الاقتصادي. وقد أثار اعتقاله غضب طلاب كلية بغداد للعلوم الاقتصادية فخرجوا في اليوم التالي لاعتقاله، في تظــاهرة مطالبين بإطلاق سراح الأكاديمي المعتقل وداعين الى احترام الحرم الجامعي والكادر التعليمي وإبعاد الجامعات عن التسييس.
واذا ما كانت تهمة الارهاب جاهزة الصنع لتلصق بعموم المواطنين فماذا نسمي الحكومة الممعنة باعتقال المواطنين يمينا ويسارا وعلى الهوية بدلا من حمايتهم وصيانة حقوقهم؟ فخلال الشهر المنصرم فقط، قامت القوات الحكومية بتنفيد 157 حملة دهم وتفتيش عشوائية، في 14 محافظة، واسفرت عن اعتقال 1327 مواطنا بريئا ـ بينهم سبع نساء، كما تم توثيقها من قبل قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، وهو واحد من جهات التوثيق العراقية القليلة، ذات المصداقية، المعنية برصد خروقات وانتهاكات حقوق الانسان. مع العلم، ان هذه الإرقام 'اقتصرت على البيانات التي تصدرها وزارتا الداخلية والدفاع الحاليتين فقط؛ ولم تتضمن الاعتقالات التي تنفذها ما تسمى وزارة الأمن الوطني، والمكاتب التابعة لرئيس الحكومة الحالية، كما انها لم تتضمن الاعتقالات العشوائية وغير المعلنة التي تقوم بها الميليشيات والأجهزة الأمنية الكردية بمسمياتها المختلفة في محافظات ديالى والتأميم وصلاح الدين ونينوى والسليمانية وأربيل ودهوك. كما لم تشمل الاحصائية، ايضا، الاعتقالات التي نفذتها الاجهزة الامنية الحكومية خلال انعقاد مؤتمر القمة العربية والتي طالت المئات من المواطنين ولا سيما الشباب الذين لم يطلق سراحهم حتى الان'.
ان اعتقال د محمد طاقة امتداد لحملة استهداف الاكاديميين والعلماء والمدرسين والاطباء المستمرة منذ غزو العراق والتي لم يشهد لها اي بلد محتل آخر، مثيلا في منهجيتها وسعتها انتقالا من التصفية الجسدية الى الطائفية والفساد والتطهير الثقافي. وهو استهداف مباشر للتعليم وبكافة مستوياته. مما يعني، في الواقع، اعداد جيل جديد من اطفالنا وشبابنا مقولب ضمن العقلية الطائفية البغيضة والتقوقع الانعزالي القومي والديني مما يؤدي، كنتيجة حتمية، الى تلاشي التنوع الثقافي والحضاري الذي طالما تميز به الشعب العراقي عبر تاريخه. ان ابادة التعليم عبر انتقائية التعيينات حسب المحاصصات الطائفية والعرقية وانتفاء شرط الكفاءة وتسييس المناهج التربوية وتزوير الشهادات وانتفاء وجود مخطط تعليمي وطني هو خطوة مضمونة لتخريب العراق وتشظيه كوطن يتسع لكل المواطنين. وللاطلاع على امثلة مستلة من الواقع التعليمي المتدهور، على مدى اعوام الاحتلال، بالامكان الرجوع الى كتاب 'ماوراء ابادة التعليم في العراق'، الصادر اخيرا، عن جامعة غنت البلجيكية التي احتضنت الندوة العالمية حول وضع الاكاديميين العراقيين في شهر آذار/مارس من العام الماضي. حيث يخبرنا هانز فون سبونيك، ممثل الامين العام للامم المتحدة بالعراق( 1998 2000)، ان جرائم قتل الاكاديميين والعلماء وغيرهم من المهنيين وتدمير البنية التحتية لقطاع التعليم اثناء الغزو وبعده يستدعى استخدام مصطلح جديد هو 'ابادة التعليم' والذي يتطلب العمل المثابر لادخاله القاموس الدولي للجرائم، على أمل ان تتولى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية النظر في هذه الجريمة. ويشير الاستاذان سامي الزمني وكريستوفر باركر، من جامعة غنت، الى انه ليس بالامكان اعتبار تحطيم النظام التعليمي في العراق احد الخسائر الجانبية للحرب كما ان جرائم اغتيال الاكاديميين ليست حوادث معزولة بل هي جزء لايتجزأ من سياسة الادارة الامريكية في تنفيذ 'انهاء الدولة' والذي ادى الى عواقب انسانية وثقافية لايمكن ان يتصورها العقل، من بينها التهجير القسري الجماعي للجزء الاكبر من الطبقة الوسطى المتعلمة والتي حي بمثابة المحرك الرئيسي للتنمية والتقدم في الدول الحديثة. كما تم رسم خرائط جديدة للعراق ككل وللمدن العراقية، كل على حدة، استنادا الى التقسيم والعزل الطائفي والعرقي والديني الذي كرسته حكومات الاحتلال المتعاقبة، كما يستمر تدمير البنية التحتية التعليمية في سياق استمرار العنف والفساد والاهمال الرسمي. حيث اعترفت وزارة الداخلية العراقية ان اكثر من 9000 من موظفي الدولة، بما فيهم عدد من الموظفين رفيعي المستوى في مكتب رئيس الوزراء اشترى شهادات جامعية مزورة. ولايزال اغتيال الاكاديميين، يجري في ظل تعتيم اعلامي عربي وعالمي شامل، مستمرا وقد سجلت محكمة بروكسل (وهي المشاركة في تنظيم مؤتمر غنت) اغتيال 449 اكاديميا في قاعدة البيانات التابعة لها. ولم يحدث، وهنا الطامة الكبرى، ان تم التحقيق في اي من جرائم الاغتيال او اخضاع احد للمساءلة القانونية. وتشير كافة القوانين الدولية الى مسؤولية الاحتلال اولا وحكومات الاحتلال ثانيا عن توفير الحماية للمواطنين ايا كانت قوميتهم او دينهم او مذهبهم. لذلك، يكرر هانز فون سبونيك، وهو الضليع بقرارات الامم المتحدة، قوله بوجوب 'محاسبة المسؤولين عن هذا الامر الجلل، سواء داخل العراق او خارجه. وعلى الحكومات والاعضاء في مجلس الأمن والأمانة العامة للامم المتحدة عدم التنكر لمسؤولياتهم فيما لايمكن الا ان يسمى جريمة ضد جيل الشباب في العراق. وعلى مجلس الامن الدولي حشد الارادة اللازمة لتقييم الدور الذي لعبه في تدني التعليم الى ادنى مستوى. ولاشك ان هذا الطلب سيغضب بعض الاوساط والدول ويثير مخاوفها. وهي مخاوف مبررة اذ سيتم تقديمها الى العدالة عن الجرائم التي ارتكبتها. ان الوفيات والامراض والفقر والدمار هي الشهود على تلك الجرائم
'.