Tuesday 15 January 2013

من الذي ينصف ضحايا التعذيب في البلاد العربية؟

04/05/2012
لم يعد سرا ان معظم الحكومات، في جميع انحاء العالم، تلجأ الى التعذيب كوسيلة لاستخلاص المعلومات واجبار المتهمين على الاعتراف بما ارتكبوه أو ما يراد منهم الاعتراف به. فلم تنجح الانظمة الديمقراطية والقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الانساني الدولي والقانون الجنائي الدولي بالاضافة الى القوانين المحلية كلها، حتى الآن، في وضع حد لممارسات التعذيب والانتهاكات المرتكبة من قبل مسؤولين (موظفين) في الدول أو الكيانات خارج الدول. وان كان الرأي السائد قانونيا، حول لجوء الكيانات خارج الدولة الى التعذيب، ان التعذيب يتميز بطبيعته الرسمية والصلة المباشرة بالحكومة وبمسؤولية الحكومة. وقد طورت الولايات المتحدة الامريكية ذات النظام ' الديمقراطي' والدستور العتيد، مجموعة من المصطلحات كما شرعت قوانين جديدة، بضمنها صلاحية اختطاف ونقل المعتقلين من بلدانهم او اماكن اقامتهم الى بلدان أخرى (المغرب والاردن ومصر وليبيا وسوريا من بينها) لاخضاعهم للتعذيب بعيدا عن أمريكا، لتتهرب من تحمل المسؤولية القانونية وشرعنة ممارسة التعذيب. كما جاء تغيير المصطلحات القانونية كوسيلة لاستحداث اساليب تعذيب لاستخلاص المعلومات كما شاهدنا في ابو غريب وغوانتنامو، مثلا. ولم تتخلف بريطانيا عن امريكا في هذا المجال، حيث مارست قوات الاحتلال البريطاني تعذيب المعتقلين الى حد الموت، كما في قضية الشاب العراقي بهاء موسى، الذي تم اعتقاله بشكل عشوائي وعذب حتى الموت . وقضيته واحدة من قضايا التعذيب الكثيرة المرفوعة الآن ضد القوات البريطانية امام القضاء البريطاني. واذا ما كانت الدول الغربية تبذل الكثير لتتكتم على اساليب استخلاصها المعلومات فأن حكومات الدول العربية، جميعا، بلا استثناء، تمارس التعذيب ضد المعتقلين. وقد نجحت بتحويل فعل التعذيب اللاانساني والاساءة الى المعتقلين، بدءا من توجيه الاهانات والضرب والاعتقال القسري والتفنن باساليب العنف الجسدي، الى فعل مألوف وجزءا لايتجزأ من اسلوب احكام السيطرة على المواطنين. ولنا في انظمة الحكم في سوريا ودول الخليج امثلة صارخة، غير ناسين الاحتلال الصهيوني في فلسطين وحكومة ظل الاحتلال في العراق. في هذه الدول وقريناتها من دول الجوار (ايران وتركيا)، تغيب او تٌهمش قوانين حقوق الانسان بانواعها لتصبح أيدي المسؤولين الحكوميين طليقة لارتكاب الانتهاكات بحق المواطنين بلا مساءلة تحت ذات الحجج (اذا كانت التهمة سياسية) كالمحافظة على الأمن القومي ومكافحة الارهاب او استخلاص الاعتراف اذا ما كانت التهمة جنحة او مخالفة او جريمة. حيث وثقت 'الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب'، مثلا، في 12 ايار/مايو 2004، اعتراف مواطن مصري، بعد تعذيبه، بارتكاب جريمة تمت في الوقت الذي كان فيه حبيسا. كما اعترف مواطنون عراقيون، بعد تعذيبهم وعرضهم على شاشات التلفزيون بارتكاب اعمال 'ارهابية' وصلت الى حد الاعتراف بقتل اشخاص ثبتت وفاتهم منذ سنوات.
فما هو الحل؟ على المستوى الدولي، كان لتأسيس مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة أثره الايجابي على ضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان. وعلى الرغم من محدودية صلاحياته التنفيدية واقتصارها على تقديم التوصيات، بداية على الاقل، بات للمجلس دور مؤثر، اعلاميا وجماهيريا، يتم من خلاله فضح ممارسات الدول وانتهاكاتها عبر تقارير وتصريحات دورية. لذلك تحاول معظم الدول الا تحيد (ظاهريا على الاقل) عن صراط القوانين الدولية والانسانية التي يدعو المجلس الى الالتزام بها. فنرى، بعض الدول المعروفة بخروقاتها، تتحايل عليه باطلاق الشعارات الرنانة عن احترامها لحقوق الانسان واصدار البيانات عن تطبيقها توصيات المجلس. على مستوى البلدان، هناك أمل في نشاطات منظمات حقوق الانسان المحلية والعابرة للحدود او الناشطة عبر شبكات المنظمات المستقلة غير الخاضعة لسياسات الجهات الممولة سواء كانت حزبية او مؤسساتية حكومية او منظمات دولية ذات اجندة معينة. من بين المنظمات الدولية الاخرى المعنية بمتابعة انتهاكات حقوق الانسان وتوثيقها ' منظمة العفو الدولية' و'هيومن رايتس ووتش'. ولعل واحدة من المنظمات التي تستحق الذكر في هذا المجال هي منظمة ريدرس ' REDRESS '، ومقرها بريطانيا. وسبب اختياري الاشارة اليها انها منظمة ذات هدف محدد تتميز به عن بقية المنظمات الدولية وهو تركيزها، بالدرجة الاولى، على تحقيق العدالة والتعويض الاجباري لضحايا التعذيب للمساعدة على استعادة كرامتهم، من خلال العمل والتفاعل الشخصي المباشر معهم، والعمل مع القانونيين على اصلاح القوانين وتقديم مرتكبي التعذيب للمساءلة سواء كانوا حكومات او افراد. كما تعمل المنظمة على تطوير الوسائل لضمان الامتثال للمعايير الدولية وتأمين وسائل الانصاف للضحايا من خلال تقديم المساعدة القانونية للأفراد والمجتمعات المحلية في تأمين حقوقهم وحث الحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام على الالتزام بهذه المعايير. وليس لهذه المنظمة، كما بقية المنظمات الدولية التي تبتلع الامور الادارية نسبة كبيرة من ميزانيتها، مكاتب في جميع انحاء العالم. مما يجعلها لا تصرف الكثير من التبرعات التي تحصل عليها على التكلفة الادارية، بل انها تعمل مع منظمات حقوق الانسان وجمعيات المحامين المتواجدة في داخل البلدان الاخرى مباشرة للمساعدة على بناء القدرات، وتقديم المشورة والمساعدة إلى المجموعات المحلية لتعزيز تدخلاتها مع الناجين من التعذيب، ولتعزيز العمل في مجال الدعوة بشأن الإصلاحات القانونية أو المؤسسية، والهدف العام المتمثل في منع التعذيب. على الصعيد الدولي، تعمل ريدريس مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ولجنة البلدان الأمريكية ومحكمة حقوق الإنسان الدولية ومؤسسات العدالة الجنائية مثل المحكمة الجنائية الدولية، للعمل على تعزيز السياسات الدولية لهذه المنظمات فيما يتعلق بالتعذيب والناجين من التعذيب، بما في ذلك زيادة فرص وصول الناجين إلى مثل هذه المؤسسات وزيادة الدعم الذي تقدمه هذه المنظمات للناجين. كما تجدر الاشارة الى ان موقع المنظمة الالكتروني يضم تقارير تغطي البلدان العربية بالاضافة الى بقية دول العالم فيما يخص التعذيب والقوانين والاصلاحات، ونصيحتي لمتابعي هذا الشأن والعاملين في مجاله زيارة الموقع الموجود باللغة العربية اضافة الى اللغات الاخرى. مما يقودنا الى عمل المنظمات الحقوقية في البلدان العربية نفسها، وهي موجودة باعداد تتجاوز المئات وتمارس عملها بمثابرة، بقدر الامكان، ضمن مساحة الحركة المقيدة في ظل انظمة معظمها يمارس التعذيب عمليا ويناهضه ظاهريا. وبالامكان الاطلاع على اسماء وعمل بعضها على موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، مع ملاحظة ان الموقع بحاجة الى تحديث اذ ان عددا من المنظمات اما لم يعد موجودا الا بالاسم او لم يتم تحديث نشاطاتها منذ سنوات. فمن بين المنظمات الثماني المذكورة في العراق، هناك حسب علمي منظمتان تواصلان العمل الآن، ولم يذكر رابط موقعيهما الصحيح.
ان اساس العمل في مجال حقوق الانسان هو احترام كرامة الانسان، مهما كانت قوميته او دينه او عرقه او جنسه أو رأيه السياسي والفكري، واي اخلال بهذه المقاييس، مهما كانت المبررات، هو تجريد الانسان من انسانيته وسوقه رغما عنه الى دائرة الانتقام اللانهائية. وهذا ما يتوجب علينا جميعا، وضع حد له، ان لم يكن من اجل الآخرين، فمن اجل ابنائنا
.