Tuesday 15 January 2013

كاتبات عربيات يتحدين التطبيع الثقافي مع اسرائيل

18/05/2012
بصوت واحد، وقفت مجموعة من الكاتبات العربيات، ليبرهن، حسب تعبير الكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب، ' بأننا كأدباء وأكاديميين؛ لا يمكن أن نساوم على مبادئنا أو نفرط بمواقفنا الأخلاقية. لقد برهنتم أن لدينا صوتاً، وأن صوتنا يستطيع أن يحدث فرقاً'. وعبرت الكاتبة المصرية رضوى عاشور عن ارتياحها العميق لموقف الكاتبات الموحد قائلة: 'أحسنّا صنعًا ولم نسمح لأحد باستخدامنا أو إملاء إرادته علينا. وكان تواصلنا السريع وعملنا للتعبير عن موقفنا مثيرًا للإعجاب'. فما هو الموقف الذي جمع بين الكاتبات حزامة حبايب، ليلى ابو زيد، رضوى عاشور، هدى بركات، أتيل عدنان، أميلي نصر الله، أمل مختار، هيفاء زنكنة، ليلى الجهني، منيرة الغدير، غادة السمان، هدية حسين، وابتهال سالم، وهن من بلدان عربية مختلفة بل وان عددا منهن مقيمات في بلدان الشتات بعيدا عن البلدان العربية، ولايعرفن، باستثناء ااثنتين، بعضهن البعض شخصيا؟ هل هي اللغة العربية المشتركة؟ أم انه الهم المشترك العابر للحدود ونقاط التفتيش ومتطلبات الحصول على الفيزا؟
ان العامل المشترك هو فلسطين، قضية الظلم المهيمن على وجودنا، الهم الذي نحمله في دواخلنا، الجرح النازف في قلوبنا. جرح الاحتلال منذ عام النكبة، منذ مايزيد على الستة عقود، وحتى اليوم. فلسطين هي التي جمعت الكاتبات ووحدت بينهن نتيجة مشروع ثقافي بدا بسيطا، لايسترعي الاهتمام في بداياته، ليتكشف عن غموض وتشابك مصالح. الجهة صاحبة المشروع هي مركز دراسات الشرق الاوسط، في جامعة تكساس، أوستن. والفكرة هي اصدار مجموعة قصصية لكاتبات من 'الشرق الاوسط' في ذكرى رحيل مؤسسة القسم الكاتبة اليزابيث فرنيا، وهي اكاديمية ومخرجة افلام وثائقية معروفة بمواقفها من قضايا المرأة والأسرة خاصة. وقد وافقت الكاتبات العربيات على المساهمة في الكتاب اما لاطلاعهن على انجازات فرنيا او رغبة في الوصول، عبر الترجمة الى الانكليزية، الى جمهور واسع، أو ان اختيار بعض القصص تم من مجموعات مطبوعة وترجمت بدون توقيع عقد مع الكاتبة. عموما، كان حسن النية هو الطاغي عند قبول الكاتبات المساهمة في الكتاب، منذ عامين تقريبا، ثم نسين المسألة كلها لأنشغالهن بنشاطاتهن الثقافية والاكاديمية والصحافية الى ان استلمن (وانا واحدة منهن) رسالة الكترونية من الزميلة حزامة حبايب تنبهنا فيها الى موقع جديد أقامته محررة الكتاب الامريكية ونشرت فيه اسماء المساهمات من 'الشرق الاوسط'. لنكتشف، ان القائمة تضم كاتبتين اسرائيليتين، لم يتم اخبارنا عنهما، هما يهوديت هندل واورلي كاستل بلوم. وعند البحث والاستفسار عن هاتين الكاتبتين تبين بانهما لم يحدث يوما وأدانتا سياسة حكومتهما الاستعمارية الاستيطانية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني بل انهما من الحائزات على جوائز حكومية رسمية تزكي مواقفهما ان لم تكن المؤيدة للكيان الصهيوني فالصامتة على جرائمه على الاقل. من هنا بدأت رحلة حزامة حبايب وبدعم من كاتبات ناشطات، حتى من خارج المجموعة، من بينهن جين سعيد مقدسي، في السعي إلى معرفة عناوين كل المساهمات والاتصال بهن باسرع وقت ممكن وقبل ان ينشر الكتاب. وكان ماراثونا مذهلا في البحث عن سبل الاتصال ببقية الكاتبات وبالتالي توضيح المسألة وتبادل الايميلات، عدة مرات يوميا، والتعليق عليها ومناقشة أهمية اتخاذ موقف موحد بصدد اما مقاطعة الكتاب او تركه كما هو تجنبا لإثارة ضجة قد تصب لصالح الاسرائيليتين اللتين قد تستثمران المقاطعة للظهور بمظهر ضحية مقاطعة سياسية فيما نصوصهما أدبية . كما اثيرت اسئلة مهمة حول كيفية سقوطنا في هذا الفخ وعن قانونية سحب القصص. وتم الاتصال بالاكاديمية اصلاح جاد، ممثلة الحملة الفلسطينية للمقاطعة الاكاديمية والثقافية لاسرائيل، بجامعة بير زيت، لاستطلاع الرأي. وتطورت القضية حين رفضت دار النشر سحب قصص المعترضات من الكاتبات، وعددهن اربع بداية، أملا في ان تنتهي 'الاشكالية' عند هذا الحد وتتخلى المعترضات عن مطالبهن بالغاء مساهمة الكاتبتين الاسرائيليتين. غير ان الكاتبات ارسلن رسائل اخرى، وباصرار، مطالبات بسحب القصص ما لم تقم الدار بحذف قصتي الاسرائيليتين. وبات الهدف محددا وواضحا وهو، وكما لخصته رضوى عاشور: 'اولا حذف مشاركة الكاتبتين الإسرائيليتين، وصدور الكتاب بدون نصيهما. والضغط على الدار بشتى السبل لفرض موقفنا وهو موقف عادل. ثانيا إن أصروا على موقفهم ننذرهم بأننا سنحول الأمر لقضية رأي عام ونلوح بإمكانية اتخاذ إجراء قانوني'. وكانت النتيجة، وبعد تزايد عدد المحتجات، استلام جواب من دار النشر يمنح الكاتبات حق سحب القصص ضمن مدة محددة لتلقي طلبات الانسحاب. وجاء في الرسالة ان انسحاب عدد من الكاتبات قد يؤدي الى الغاء المشروع كلية مع اصرار دار النشر على الخضوع لطلب الكاتبات المحتجات بسحب مساهمة الكاتبتين الاسرائيليتين لان هذا يتناقض مع 'سياسة الجامعة المبنية على عدم التمييز العرقي والديني والقومي'. فأدى استلام الجواب اولا الى تكثيف الزميلة حزامة جهودها للوصول الى بقية الكاتبات ليساهمن في مقاطعة الكتاب بهدف وضع حد للمشروع كله، وثانيا الى ارسال رسائل الى الناشر والمركز للمطالبة بالاعتذار عما تحمله الرسالة من اشارة ضمنية الى ان موقف الكاتبات مبني على التمييز العرقي والديني والقومي. وهي ذريعة طالما تستخدم ازاء كل من يتخذ موقفا واضحا من سياسة الكيان الصهيوني. فكان رد حزامة حبايب بيانا لخصت فيه تاريخ الكيان الصهيوني المبني على الاحتلال الاستعماري وسياسة التمييز ورفض حق العودة لاهل البلد بينما يتم تجميع اليهود من جميع انحاء العالم لاسكانهم مستوطنات مبنية على ارض فلسطينية تسقيها دماء الفلسطينيين ومقاومتهم. قائلة بانها وهي الفلسطينية لايحق لها العودة الى وطنها بينما تمنح الكاتبة الاسرائيلية يهوديت حق الاقامة والجنسية وادعاء فلسطين وطنا لها على الرغم من انها مواطنة بولندية ومن ابوين بولنديين. وكتبت رضوى عاشور مطالبة المركز بالاعتذار لما اعتبرته رسالة مهينة للكاتبات واختزالا مبسطا لموقفنا من عدالة القضية الفلسطيينية. وكتبت أميلي نصر الله قائلة 'اننا في حالة حرب مع اسرائيل'. وكتبت، بدوري، ردا وضحت فيه موقفنا المؤيد لحملة مقاطعة اسرائيل الاكاديمية والثقافية وكيف ان مؤسسات اكاديمية وثقافية غربية ترفض ان ترى حق الشعب الفلسطيني موفرة بذلك الغطاء الايديولوجي للعنصرية الاسرائيلية.
وكانت النتيجة، وبعد انسحاب الكاتبات العربيات والكاتبة الكردية (أنا) الجماعي، اجهاض المشروع. وهو نجاح حققته الكاتبات عبر التواصل السريع والاتفاق من أجل تعزيز موقف مبدئي خاصة وان الكاتبات يعتبرن انفسهن جزءا لا يتجزأ ومكونا أصيلا من حملة المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل. ان موقف الزميلات الكاتبات ونجاحهن في تنفيذ ما اعتبرنه حقا لايمكن التخلي عنه، لن يغير العالم، الا انه خطوة تصلح كمؤشر على امكانية النجاح، مهما كانت العوائق، اذا ماتسلح المرء بالمثابرة والتمسك بالمبادىء ازاء محاولات التمييع والتمويه المزوقة أحيانا بـ' قضايا المرأة ' أو 'الهموم الإنسانية المشتركة' كالعزلة والمرض، كما جاء في رسالة دار النشر. ان موقف الكاتبات الموحد، منذ البداية، كان حاسما في الاصرار على مطلبهن في المقاطعة.
ومن الضروري، هنا، قراءة بيان 'موقف الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل'، الموجودة على موقع الحملة الالكتروني، باللغتين العربية والانكليزية، للاطلاع على مبادئ المقاطعة التي تطبق في العالم العربي 'وهي ذاتها المطبقة في الأرض الفلسطينية المحتلة. وأهم معيار هنا هو مكافحة محاولة الجمع بين الفلسطينيين و/أو العرب بالإسرائيليين (في مشاريع لا تهدف بأي شكل إلى مقاومة الاحتلال والاضطهاد)، التي تهدف بالأساس إلى تسويق نظرة زائفة وخادعة للعلاقة بين الطرفين وكأنها طبيعية. إذاً، فالمستهدف بالمقاطعة هنا هو الطرف الإسرائيلي كممثل عن بلده، لا كفرد فنان أو أكاديمي أو مثقف، والفرق بين الإثنين كبير. 'كما وضحت وثيقة 'تعريف التطبيع' الصادرة عن الحملة في 22/11/2007 التطبيع بالتالي: ' 'التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية. ' وجوهر القضية التي اتفقت عليها الكاتبات هو ان السلام، خلافا لحملات التضليل الاسرائيلية وغيرها، لاينفصل عن العدالة. وان العدالة لن تتحقق في ظل نظام استعماري استيطاني عنصري.