Saturday 19 January 2013

مهلا يا دولة رئيس وزراء العراق

04/01/2013
وصف نوري المالكي، رئيس وزراء نظام 'حزب الدعوة' بالعراق، التظاهرات الشعبية والاعتصامات التي يساهم فيها ما يزيد على المئة ألف مواطن، منذ عشرة ايام، بأنها 'نتنة' وطائفية وانها 'فقاعة'، وهي 'عملية تواصل مع جهات اجنبية' وان المحتجين هم 'اصحاب اجندات خارجية' متوعدا اياهم، وهو يزم شفتيه، بقوله: 'انتهوا قبل ان تنهوا'.
وهي اتهامات كان من الممكن اعتبارها مضحكة لولا انها متعلقة بحياة المواطنين، خاصة انها صادرة من أمين عام حزب مذهبي دينيا / طائفي سياسيا، بامتياز، اذ لا يضم بين صفوفه فردا واحدا من اي مذهب او دين آخر. وأسس منذ توليه الحكم، بالوكالة، سياسة طائفية لم تعد خافية على أحد، فضلا عن نشره مفهوم الفساد المنهجي الذي بات سمة كل ساسته ومسؤوليه. أما بالنسبة الى تهمة 'التواصل مع جهات اجنبية' او وفق 'اجندات اجنبية' فهنا يصبح المضحك مبكيا. فهل بقي هناك، في العالم كله، من لا يعرف ان حكام العراق وصلوا الى سدة مناصبهم بدبابات الاحتلال الانكلو امريكي؟ فاذا لم يكن هذا تواصلا مع جهات اجنبية فما هو معنى التواصل والأجندة الاجنبية؟ ترى ألم يسمع دولة رئيس الوزراء تصريحات القيادي في حزبه وهو سامي العسكري، القائل في مقابلة تلفزيونية، اخيرا، ما معناه بانهم وصلوا الحكم بجهود امريكية.
فمن هم 'اصحاب الاجندات الخارجية'؟ وما هي حقيقة 'الفقاعة'؟
مثل كل الانتفاضات، لم تبدأ انتفاضة غرب العراق بالحدث المنفرد الذي اشيع عنه بانه الدافع الحقيقي، أي اعتقال عدد من حراس وزير المالية رافع العيساوي الذي وصف الأساليب الأمنية لحكومة المالكي بأساليب العصابات، الا ان الحدث شكل النقطة الحرجة اللازمة، بعد فترة مديدة من الغضب المتعاظم تحت السطح، لاحداث تحول نوعي، التي اصبح فيها السكوت على الظلم تجريدا للمواطن لا من عزته وكرامته فحسب بل ومن انسانيته.
ان الدافع الحقيقي للتظاهرات والاعتصامات التي انتشرت، خلال ايام، الى مدن الانبار والفلوجة وسامراء والموصل وكركوك وصلاح الدين وديالى هو تراكم الظلم السافر، على مدى سنوات الاحتلال، جراء الفساد والممارسات الطائفية وانتهاكات حقوق الانسان والاعتقالات والتهجير واعادة رسم خارطة بغداد وفق التطهير المذهبي، بالاضافة الى الجريمة الابشع، التي واصل ساسة الاحتلال التستر عليها وممارستها بعد رحيل اسيادهم، وهي الاغتصاب المنهجي للاناث والذكور لـ'كسر عين المرأة والرجل' معا. وهي جريمة لا تكف التقارير الحقوقية العالمية عن توثيقها وادانتها ومطالبة نظام 'حزب الدعوة' والمتعاونين معه بالكف عنها ولكن بلا فائدة. والادهى من ذلك اطلاق التصريحات الملتوية للتمويه وتغطية الجرائم واخفاء الحقائق حول وجود المعتقلات اساسا. ففي الوقت الذي يؤكد فيه المتظاهرون ان عدد المعتقلات يقارب الخمسة آلاف معتقلة، معظمهن تعرضن للتعذيب والاغتصاب، وان عددا منهن انجب اطفالا من الجلاوزة الذين انتهكوا اعراضهن، نفى المالكي اولا وجود معتقلات، ثم صرح عندما تعالت صرخات المطالبة باطلاق سراحهن إن عدد السجينات المحكوم عليهن في قضايا الإرهاب 'لا يتعدى عدد أصابع اليد' ليكذبه وزير العدل حسن الشمري في حكومته قائلا بأن عدد المعتقلات هو 980 معتقلة من بينهن 211 'ارهابية'.
ثم عاد المالكي، بعد ان امضى سنوات وهو ينفي وجود معتقلات بريئات، ليعترف يوم 1 / 1 بوجود نساء اعتقلن كرهائن في حال غياب الذكور من افراد العائلة، حيث قال بأنه 'أمر بإطلاق سراح فوري لكل امرأة اعتقلت دون أمر قضائي، فضلا عن اللواتي اعتقلن بجريرة ذنب ارتكبه شخص من ذويهن'. وضحكا على آلام ومعاناة المواطنين تم اطلاق سراح ثلاث معتقلات فقط.
واذا ما علمنا بان المادة 4 ارهاب التي يتم وفقها اعتقال اي كان بتهمة الارهاب وحسب تقارير المخبر السري، هي السيف المسلط بانتقائية على رقاب المواطنين، وان القضاء العراقي بات مسيسا، طائفيا، فاسدا وفق التقارير الدولية، لأدركنا مدى مصداقية تهمة الارهاب الملصقة بالنسوة المعتقلات، ولعرفنا مدى مصداقية تصريحات رئيس الوزراء.
فلا عجب ان يرتفع سقف مطالب المتظاهرين للمطالبة بتغيير النظام، بالاضافة الى الغاء المادة 4 ارهاب واطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين ووضع حد للطائفية والفساد. وتضم صفوف المتظاهرين، مواطنين من مختلف الاعمار والمهن والاتجاهات السياسية، فمن طلاب جامعة الموصل الذين اطلق عليهم الرصاص، يوم أمس، لمنعهم من المشاركة الى الموظفين ورؤساء العشائر ورجال الدين واعضاء من مجالس المحافظات والحركات الشبابية، التي نشطت بالتزامن مع ميلاد الثورة التونسية والمصرية، وكان لها حضور متميز في ساحة التحرير ببغداد ما يقارب العام، واهمها ''الحركة الشعبية لإنقاذ العراق' و'شباب الثورة العراقية الكبرى' و'ائتلاف ثورة 25 شباط'. وقد اصدرت هذه التجمعات بيانات أكدت فيها أهمية المطالب لانها تمس حياة المواطنين جميعا ورفعوا اعلاما وشعارات وطنية شعبية على غرار 'كلنا حسينيون من الانبار الى كربلاء'، 'سلمية، سلمية'، 'حكمت فظلمت فارحل لا بارك الله فيك'، 'وصلوا خبر للأنبار أهل الموصل ذولة احرار'، 'لا للطائفية ... اطلقوا سراح المعتقلات'، و'محاسبة ومعاقبة منتهكي اعراض العراقيات' ورفعت نسوة الفلوجة المتظاهرات شعار 'سنبقى مع الرجال في ساحات العز والشرف حتى تحقيق المطالب'. واطلقت على ايام الاعتصام اسماء مثل: 'اعتصام استعادة الحقوق'، 'ثلاثاء الحرائر'، 'واربعاء الكرامة'، و'جمعة الصمود على نهج الأمام الحسين' تيمنّاً بثورة الأمام الحسين وصموده ضد الظلم والحيف.
وكان العلامة عبد الملك السعدي، الذي رفض منصب مفتي العراق بعد عرضه عليه عام 2007، قد انضم الى التظاهرة وخطب في ساحة الاعتصام بالانبار يوم الاحد الماضي، قائلا ان 'هذا الاعتصام ليس على أساس القومية ولا على أساس الطائفية، بل دعوة من اجل المطالبة بحقوق العراقيين جميعا، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية'.
وتدل مطالب المتظاهرين اليوم كما تدل تظاهراتهم، عبر السنوات في جميع ارجاء العراق، بأن تداخل المحاصصة الطائفية والعرقية والفساد المالي والاداري، المنعكس على دقائق الحياة اليومية للمواطن باشكال مختلفة اكثرها بروزا شرعنة الارهاب والترويع 'الحكومي'، هو ما يجب تغييره وليس استبدال وجه المالكي بالجعفري او صالح المطلك. ان رفض المتظاهرين الاصغاء في ساحات اعتصام الكرامة لوجوه نظام حزب الدعوة او تحالفاته، سنية كانت ام شيعية، هو رفض للعملية السياسية التي صاغها المحتل وطبقتها حكومات الاحتلال بالنيابة. انه رفض لتقسيم وتفتيت العراق. اما تهديدات 'دولة رئيس الوزراء' المتناثرة، اخيرا، يمينا ويسارا على شاشات التلفزيون فانها في استصغارها للشعب العراقي لا تقل عن خطابات بن علي ومبارك والقذافي، استهانة واستصغارا لشعوبهم ووصفهم بالارهاب والارتباط بالاجندات الاجنبية، حين طالبت الشعوب بالتغيير. وكانت النتيجة؟ هل نحن بحاجة الى التذكير بمصيرهم؟